البوصلة – عزة شتيوي
لايشبه الأردن في حال سياسته الداخلية والخارجية سوى تركيا في عهد العثماني الجديد اردوغان خاصة أن المملكة الاردنية انطلقت بنظرية تشبه الى حد كبير نظرية أوغلو الفاشلة في صفر مشاكل فكانت في مقابلها سياسة الملك عبد الله (ارضاء الكل) والنتيجة انتهت بالدولتين الى مشاكل سياسية داخلية وخارجية
في الأردن حالة غضب شعبية يرى محللون انها نتيجة سوء التقديرات السياسية على الصعيد الاقليمي و غياب رؤية استراتيجية للتنمية و التطوير و تفاقم المديونية و تردي الخدمات حيث بات كل ذلك مواضيع تمثل الحديث اليومي للأردنيين من نخب و عموم.
و بالنظر الى سياسة الأردن الخارجية يجد مراقبون أن الموقف الاردني السياسي يعتبر عادة غامضاً الى حد كبير خصوصاً عندما يتعلق الامر بضرورة اتخاذ قرار حاسم او موقف واضح.
كثير من المطلعين على تفاصيل السياسة الدولية و الاقليمية اعتبرت ان السياسة الاردنية لم تكن قادرة على بناء تحالفات راسخة مع اي من الاطراف حيث سجلت عليها كثير من المآخذ أهمها انها سياسة سعت لاسماع كل طرف من الاطراف ما يشتهي سماعه في الوقت الذي تحتاج عملية بناء التحالفات الى موقف حقيقي وواضح.
كثيرة هي التقديرات الخاطئة التي يمكن ان يستعرضها اي متابع للسياسة الخارجية الاردنية، من تفاصيل ملف الانضمام للنادي الخليجي مروراً بالتقديرات الخاطئة للازمة السورية او حتى تفاصيل الملف الفلسطيني.
كثير من المراقبين للمشهد الاقليمي يستشعرون خروج الاردن من المعادلة الاقليمية خالي الوفاض لا بل ان البعض يعتبر ان الاردن قد يتم تجريده من اوراق يفترض منطقياً انها اردنية بامتياز خصوصاً الاوراق المرتبطة بملفات التسوية الاقليمية الامر الذي يحول الاردن من شريك مفترض الى مُستقبل لنتائج هذه التسويات.
يعلق بعض المطلعين على تفاصيل المشهد الاردني بالقول ان :”السياسة الاردنية غلبت السعي لتأمين الجانب الاقتصادي على المصلحة الوطنية” مما ادى الى خلق حالة سياسية مشوهة غير قادرة على تسجيل اي حضور فعلي في مجمل ملفات المنطقة.
بينما يسجل كثير من المراقبين تحفظاتهم على قدرة السياسة الاردنية على اضفاء اي نوع من انواع التغيير على هذه السياسة السلبية خصوصاً ان آلية صنع القرار في الاردن باتت تفتقر لخاصية تغيير الشخوص و النهج و الرؤية مما يعني ان الاردن بات يدور في حلقة سياسية مفرغة غير قادرة على احداث تغيرات حقيقة او تحقيق مكتسبات فعلية ضمن مشهد المتغيرات السياسية الحال.
وكل ذلك يقابله على الصعيد الداخلي الاردني ظهور النتائج السلبية خصوصاً في ما يتعلق بقطاع التنمية المستدامة و تطوير استراتيجيات الامن الغذائي و الاعتماد على الذات حيث عادت معضلة الاعتماد الكلي على الخارج الى السطح خلال السنوات الاخيرة.
خصوصاً وان غالبية المعادلات السياسية تغيرت جذرياً مع اندلاع ما يسمى الربيع العربي حيث اثبتت كافة المعطيات الجديدة ان سياسات التنمية الداخلية واستراتيجيات الزراعية و الامن الغذائي هي اساس بقاء الدول و لا يمكن تهميشها على حساب البعدين الامني و العسكري خصوصاً ان البعديين الاخيريين يرتبطان حصرياً بفكرة الدول الوظيفية التي أصبحت نظريتها جزءً من الماضي.
ومع استشهاد الطيار الاردني معاذ الكساسبة عاد موضوع استهداف الداخل الاردني من قبل الجماعات الارهابية ليشغل حيزاً كبيراً من نقاشات الاردنيين.
لم يتم التعامل مع ظاهرة التطرف بجدية الى الان في الاردن، على العكس تماماً فان السكوت عن الظاهرة و تعقيداتها و حتى أساسات نموها في الأردن يساهم يومياً في تعقيد المشهد و ازدياد صعوبة التعامل معه مستقبلاً مع العلم ان حادثة الشهيد الكساسبة قدمت فرصة مهمة للسياسة الاردنية للانتقال لمرحلة تطبيق حقيقي لاستراتيجيات مكافحة التطرف و مواجهته على الارض الا ان غياب الرؤية النظرية والاجراءات التنفيذية كانت وراء تبديد هذه الفرصة.
في المقابل لا يمكن الاستمرار في السكوت عن كثير من التفاصيل الحياتية اليومية في المجتمع الاردني و التي تعزز معالم التطرف في البلاد خصوصاً مع تعاظم المخاطر الاقليمية الناتجة عن النمو الارهابي و انعكاساته على الداخل الاردني.
الاردن امام مفترق طرق خطير و رئيسي، و الاعتقاد بان ادارة البلاد بنفس الطرق التقليدية التي تم اعتمادها في السنوات الماضية هو خطأ لا يمكن السكوت عنه اليوم. كذلك هو اغتصاب المشهد السياسي من قبل فئة باتت خارج اطار التعبير الشعبي الاردني و لا يمكن ان تعبر عن طموحاته المستقبلية.