تتلازم في موجة العداء المطلق للوطن السوري في هذه لمرحلة نزعتان، الأولى هي الاستهداف الشامل لمجمل مكونات وعناصر الطن السوري والبنية التاريخية الحضارية لهذا الوطن ، وواضح مدى التركيز على قواعد الوطن ومؤسساته وعناوينه المادية والمعنوية عبر التدمير للبنيان والقتل للإنسان، إنهم يتصورون من خلال ذلك أن مشروعهم الاستعماري الرجعي الإرهابي يتحقق من خلال تدمير الطن السوري، وهذا الوطن شكل لقوى الشر والإرهاب في العالم وعلى مدى التاريخ موقعاً تتكسر عليه موجات الظلم وموقفاً يرد ويردع كل أمواج العاصفة القادمة من المحيط العربي أو من وراء البحار والمحيطات، وسوريا أنجزت في ذاتها خلاصة الموقع والموقف، وأخذت على عاتقها أن تدمر كل قوة مسمومة ومحمومة تستهدف الوطن بوجوده التاريخي ومصيره وسجل نضالاته الحافل بالعطاء والتضحيات والوفاء لقيم السلام والتجذير لوحدة الشرية وهي تقاوم تلك العواصف التي تريد اقتلاع تلك الحضارات من جذورها وتدمير الأوطان الحرة من عمقها، ولهذا المعنى كان هذا الهيجان الاستعماري الإرهابي وهو محمل بنزعات حاقدة أدركت وعبر التجربة التاريخية أن طريقها مسدودة ما دام الوطن السوري قائماً يشع عدلاً وحضارة على العالم ويستقبل كل مكونات العالم ليعيد صياغتها على معايير الوطن السوري وأخلاقياته، وأما النزعة الثانية التي تقوم عليها الهيجانات الراهنة فهي المتمثلة باقتلاع المجتمع السوري من جذوره وتحويله إلى فرق متناثرة يأكل بعضها البعض الآخر في مسعىً واضح ليكون هذا الوطن ممراً لكل عدوان آثم ومستقراً لكل التطلعات التي يحملها العدوان ليواجه فيها مقاصد العالم في إيمانه بالحق والقوة والجمال، إنهم في العمق يرون الأزمة الأساس التي تصدهم وتردهم وتقض مضاجعهم إنما تقع في البنية الوطنية السورية بالمعنى التاريخي والنضالي والفكري والبنائي، ولهذا جاءت موجة العداء الراهن في هذا المستوى من الاستهداف الشامل لوجودنا ولذلك نرى أن كل موقف وطني في الميدان والسياسة هو طاقة مرعبة تهدد مسيرة هذا العدوان المشؤومة ومن هنا لابد من التركيز على النسق الشامل لهذه البنية، ونرى بالمحصلة أن كل أثر تاريخي أو مشهد حضاري أو موقف سوري معاصر يؤرقهم من الأعماق ويهز منظومة عدائهم من العماق أيضاً، إن المسألة هي سوريا وموقف سوريا وإرادة سوريا ودور سوريا الذي لن يتراجع أو يتغيب سوف يبقى الصراع بقواعده وتجلياته العسكرية والسياسية هو الأساس الذي نستمد منه معايير التحديد والتحليل ذهاباً وإياباً ذلك أننا أمام وقائع ملتهبة ليست في الميدان فقط وإنما في بناها السياسية والاجتماعية وفي مداها الراهن والمستقبلي والاشكالية ليست في تأكيد الصراع كمنطلق للوعي بما يجري، وبما سوف ينعكس منه على الزمن القادم فحسب، فذلك أمرٌ بديهي وضروري في سياق واحد ولكن الإشكالية الكبرى تقع حينما نعتقد أن هذا الصراع المصيري مستحدثٌ وافد ٌ أو طارئ بطريقة المصادفة أو بسبب تصادم في السياسات ووجهات النظر التي تحكم هذه السياسات ،دعونا نضع حدوداً لهذا الصراع كما يمثلها هو وكما يعبر عنها هو والحدود هذه تتمثل في أنه صراع مصيري قبل أي اعتبار وبأن مصير الأمة بكاملها ومصير الإرادات المعادية للأمة بكاملها يتوقفان على مساحة الالتهاب أو لسكون في هذا الصراع الواسع والنوعي وفي ذات السياق فإن هذا الصراع التاريخي بكل ما في البعد التاريخ من اتجاهات ومسافات أي أن ثقافة الوطن الواحد هي في عمق الصراع واللحظة الزمنية التي يستغرقها الصراع الراهن هي اختبار لكل عوامل التكوين والوحدة على مضى قرون مضت ولكل احتمالات الوجود العربي والعالمي سوف يكون مختلفاً نوعاً وكماً في مرحلة ما بعد الصراع عنه في مرحلة ما قبل هذا الصراع ،ثم إن المسألة في حد ثالث وباعتبارات ومقومات الصراع سوف ـاخذ مداها عبر التأثير في البنية الفردية والجمعية والأخلاقية للوطن على مدى زمن طويل متطاول فيما بعد، أي أن معايير النظرة إلى الحياة بما كان مستقراً وثابتاً في هذه المعايير سو يخترقها هذا الصراع ويبدد محاورها ويضع كل شيء تحت الاختبار العاصفة الهوجاء التي يمثلها حلف الاستعمار والرجعية والإرهاب والتكفير في المرحلة القائمة الآن وبصورة أساسية سوف تتغير بصورة جذرية معالم النظرة إلى الآخر وإلى المعتقدات بعد أن تم تهشيمها وإلى المستقبل بع أن طغت عليه موجات اليأس والضبابية والإحباط المتكاثر سوف نكتشف جميعاً بأن ما تداولناه من مفردات ومصطلحات واتجاهات فكرية وثقافية يتحول الآن إلى مجرد علامات هشة يحتاج بعضها إلى التغيير الجذري ويحتاج البعض الآخر إلى إدخال عوامل التحدي الجديدة والبعض الثالث سوف يتطلب إعادة التأهيل بما يؤدي في النهاية إلى بناء نظام أولويات قادرة على الاستجابة للتحدي وبإمكانها أن تستقبل المجهودات الوطنية وتعيد نظيمها واطلاق طاقتها بما يؤكد إرادة الاستجابة لتحد الإرهاب بوعي راسخ وبمعتقد لابد أن نجده في أصولنا التي كانت وفي مستقبلنا الذي نبحث عنه ومن هنا فإن المنظومة الأساس في حمل هذه الاعتبارات كلها وضخ الحياة فيها وإطلاقها في المعترك سوف تتدفق في عناوين ثلاثة هي العنوان القيمي أولا والذي من خصائصه وخواصه أن يقيم ميزاناً واضحاً وملزماً في مسائل علاقة الفرد بالوطن وعلاقة الفرد بالمجموع وعلاقة المجموع بالسلطة وبالنظام السياسي وفي هذا السياق سو يتناول العنوان القيمي الثقافة السائدة والفكر الذي علاه الكثير من الصدئ والترهل وأنماط العادات والتقاليد وما يلتحق بذلك من الاتجاهات وما دامت قيمة الإنسان الآن في صلب التحدي فإن قيمه مستهدفة ولابد من بنائها بما يضمن إقامة السد في وجه العاصفة والإرهاب ثم يأت في الترتيب المنطقي والمتفاعل العنوان الفكري وهو المتمثل بمنظومة مفتوحة من الواقعية والقناعات المشتركة ودور الإنسان الفرد والمجموع ومنهج استيعاب الطاقات الوطنية والقومية عبر خلق البيئة الصالحة والقادرة لهذا التحول الكبير، إن الفكر المنحط ونسب الستاتيكية فيه لم يعد قادراً على أن يوضح لنا الحقائق أو أن يدفع بالطاقة البشرية إلى حدود فاعليتها بصورة نمطية أو ميكانيكية وبهذا المدى فإن نزعة التحصن وراء الجدر الصماء في السياقات الفكرية التي أورثتنا تبرير العجز وتواكلية الموقف سوف تجري عملية هزها من الجذور عبر معايير الصراع الجديدة ثم نصل إلى المحصلة الكبرى التي تنتجها القيم والمصادر الفكر وهي المتمثلة بالعوان الثقافي ،أي الخروج من مجاهل الاعتقادات الموهومة ومناهج الارتباط على أنها قدر إلى مساحات الإحساس بالموقف والتفاعل مع عوامل العاصفة التي سوف تأخذنا إلى زمان طويل أي أن الأمر هنا يتأكد من خلال الابتعاد عن التعامل مع الأزمة الخطيرة بثقافة نائمة ومترهلة .والثقافة على قدر ماهي سلوك هي مادة نوعية تستوعب كل مفاصل الحياة وتلقي بثقلها على النخب الأحزاب وعلى كل مستويات الريادة الوطنية والقومية.